قرأ ابن كثير، وأبوعمرو فلا رفث ولافسوق بالرفع، ولا جدال بالنصب. الباقون بالنصب. --التبيان في تفسير القرآن، ج۲، ص۱۶۲--
حجّت
ومن نصب (الثلاثة) أخرج اللفظ مخرج عموم النفي للمبالغة في معنى النفي. ومن رفع بعضا ونصب بعضا، فلاختلاف المعنى، لان الاول على معنى النهي، والثاني بمعنى الاخبار عن زمان الحج: قد استدار في ذي الحجة، فكان أحق بالنصب، لعموم النفي. فأما الاول، فقد يقع من الخاطئ، فلا يصح فيه عموم النفي. هذا قول النحويين. والصحيح أن الكل معناه النهي، وان خرج مخرج النفي، والاخبار. والمراد به النهي بلا خلاف. --التبيان في تفسير القرآن، ج۲، ص۱۶۵--
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب فلا رفث ولا فسوق بالرفع و لا جدال بالفتح وقرأ أبو جعفر جميع ذلك بالرفع والتنوين وقرأ الباقون الجميع بالفتح. --مجمع البيان في تفسير القرآن، ج۲، ص۵۲۲--
حجّت
حجة من فتح الجميع أن يقول أنه أشد مطابقة للمعنى المقصود أ لا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق كما أنه إذا قال لا ريب فقد نفى جميع هذا الجنس فإذا رفع ونون فكان النفي لواحد منه أ لا ترى أن سيبويه يرى أنه إذا قال لا غلام عندك ولا جارية فهو جواب من سأل فقال أ غلام عندك أم جارية فالفتح أولى لأن النفي قد عم والمعنى عليه وحجة من رفع أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفي رفثا واحدا ولكنه جميع ضروبه وأن النفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع وإن لم يبن فيه الاسم مع لا نحو ما رجل في الدار. --مجمع البيان في تفسير القرآن، ج۲، ص۵۲۲--
وقرئ المنفيات الثلاث بالنصب وبالرفع. وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأوّلين بالرفع والآخر بالنصب. --الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج۱، ص۲۴۳--
حجّت
لأنهما حملا الأوّلين على معنى النهى، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج وذلك أنّ قريشاً كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام، وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدّمون الحج سنة ويؤخرونه سنة وهو النسيء، فرّد إلى وقت واحد وردّ الوقوف إلى عرفة، فأخبر اللَّه تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج. --الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج۱، ص۲۴۳--
وقرأ ابن مسعود والأعمش: رفوث، وقد تقدّم أن الرفث والرفوث مصدران. وقرأ أبو جعفر بالرفع والتنوين في الثلاثة، ورويت عن عاصم في بعض الطرق، وهو طريق المفضل عن عاصم، وقرأ أبو رجاء العطاردي بالنصب والتنوين في الثلاثة. وقرأ الكوفيون، ونافع بفتح الثلاثة من غير تنوين؛ وقرأ ابن كثير، وأبو عمر برفع: فلا رفث ولا فسوق، والتنوين، وفتح: ولا جدال، من غير تنوين. --البحر المحيط فى التفسير، ج۲، ص۲۸۱--
حجّت
فأمّا من رفع الثلاثة فإنه جعل: لا، غير عاملة ورفع ما بعدها بالابتداء، والخبر عن الجميع هو قوله: في الحج، ويجوز أن يكون خبرا عن المبتدأ الأول، وحذف خبر الثاني.
والثالث للدلالة، ويجوز أن يكون خبرا عن الثالث وحذف خبر الأول والثاني للدلالة، ولا يجوز أن يكون خبرا عن الثاني ويكون قد حذف خبر الأول والثالث لقبح هذا التركيب والفصل. --البحر المحيط فى التفسير، ج۲، ص۲۸۱--
قيل: ويجوز أن تكون: لا، عاملة عمل ليس فيكون: في الحج، في موضع نصب، وهذا الوجه جزم به ابن عطية، فقال: و: لا، في معنى ليس في قراءة الرفع، وهذا الذي جوّزه وجزم به ابن عطية ضعيف، لأن إعمال: لا، إعمال: ليس، قليل جدا، لم يجىء منه في لسان العرب إلّا ما لا بال له، والذي يحفظ من ذلك قوله:
تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا/ ولا وزر مما قضى اللّه واقيا
أنشده ابن مالك، ولا أعرف هذا البيت إلّا من جهته، وقال النابغة الجعدي:
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا/ سواها ولا في حبها متراخيا
وقال آخر:
أنكرتها بعد أعوام مضين لها/ لا الدار دار ولا الجيران جيرانا
وخرج على ذلك سيبويه قول الشاعر:
من صدّ عن نيرانها/ فأنا ابن قيس لا براح
وهذا كله يحتمل التأويل، وعلى أن يحمل على ظاهره لا ينتهي من الكثرة بحيث تبنى عليه القواعد، فلا ينبغي أن يحمل عليه كتاب اللّه الذي هو أفصح الكلام وأجله، ويعدل عن الوجه الكثير الفصيح.
وأما قراءة النصب والتنوين فإنها منصوبة على المصادر، والعامل فيها أفعال من لفظها، التقدير: فلا يرفث رفثا، ولا يفسق فسوقا، ولا يجادل جدالا. و: في الحج، متعلق بما شئت من هذه الأفعال على طريقة الإعمال والتنازع.
وأما قراءة الفتح في الثلاثة من غير تنوين، فالخلاف في الحركة، أ هي حركة إعراب أو حركة بناء؟ الثاني قول الجمهور، والدلائل مذكورة في النحو، وإذا بنى معها على على الفتح فهل المجموع من لا والمبنى معها في موضع رفع على الابتداء؟ وإن كانت: لا، عاملة في الاسم النصب على الموضع، ولا خبر لها، أو ليس المجموع في موضع مبتدأ؟ بل. لا، عاملة في ذلك الاسم النصب على الموضع، وما بعدها خبر: لا، إذا أجريت مجرى. إن، في نصب الاسم ورفع الخبر، قولان للنحويين، الأول: قول سيبويه، والثاني: الأخفش، فعلى هذين القولين يتفرّع إعراب: في الحج، فيكون في موضع خبر المبتدأ على مذهب سيبويه، وفي موضع خبر: لا، على مذهب الأخفش.
وأما قراءة من رفع ونون: فلا رفث ولا فسوق، وفتح من غير تنوين: ولا جدال، فعلى ما اخترناه من الرفع على الابتداء، وعلى مذهب سيبويه: إن المفتوح مع: لا، في موضع رفع على الابتداء، يكون: في الحج، خبرا عن الجميع، لأنه ليس فيه، إلّا العطف، عطف مبتدأ على مبتدأ.
وأمّا قول الأخفش فلا يصح أن يكون: في الحج، إلّا خبرا للمبتدأين، أو: لا، أو خبر للا، لاختلاف المعرب في الحج، يطلبه المبتدأ أو تطلبه لا فقد اختلف المعرب فلا يجوز أن يكون خبرا عنهما.
وقال ابن عطية في هذه القراءة ما نصه: و: لا، بمعنى ليس في قراءة الرفع، وخبرها محذوف على قراءة أبي عمرو، و: في الحج، خبر: لا جدال، وحذف الخبر هنا هو على مذهب أبي علي، وقد خولف في ذلك بل: في الحج، هو خبر الكل، إذ هو في موضع رفع في الوجهين، لأن: لا، إنما تعمل على بابها فيما يليها، وخبرها مرفوع بأن على حاله من خبر الابتداء، وظنّ أبو علي أنها بمنزلة: ليس، في نصب الخبر، وليس كذلك، بل هي والاسم في موضع الابتداء يطلبان الخبر. --البحر المحيط فى التفسير، ج۲، ص۲۸۲--
وقال الزمخشري: وقرأ أبو عمرو، وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج. --البحر المحيط في التفسير، ج۲، ص۱۸۴--
تأويله على أبي عمرو، وابن كثير أنهما حملا الأولين على معنى النهي بسبب الرفع والثالث على الإخبار بسبب البناء، والرفع والبناء لا يقتضيان شيئا من ذلك، بل لا فرق بين الرفع والبناء في أن ما كانا فيه كان مبنيا، وأما أن الرفع يقتضي النهي، والبناء يقتضي الخبر فلا، ثم قراءة الثلاثة بالرفع وقراءتها كلها بالبناء يدل على ذلك، غاية ما فرق بينهما أن قراءة البناء نص على العموم، وقراءة الرفع مرجحة له، فقراءتهما الأوّلين بالرفع والثالث بالبناء على الفتح إنما ذلك سنة متبعة إذا لم يتأد ذلك إليهما إلّا على هذا الوجه من الوجوه الجائزة في العربية في مثل هذا التركيب. --البحر المحيط في التفسير، ج۲، ص۲۸۵--