وقال الزمخشري: وقرأ أبو عمرو، وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب. --البحر المحيط فى التفسير، ج۲، ص۲۸۳--
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق: والحج بكسرها في جميع القرآن. (انظر: البقره، ۱۸۹)
حجّت
و: في الحج، هو الخبر انتهى كلامه. وفيه مناقشات.
الأولى: قوله و: لا، بمعنى: ليس، وقد قدّمنا أن كون: لا، بمعنى ليس هو من القلة في كلامهم بحيث لا تبنى عليه القواعد، وبيّنا أن ارتفاع مثل هذا إنما هو على الابتداء.
الثانية: قوله: وخبرها محذوف على قراءة أبي عمرو، وقد نص الناس على أن خبر كان وأخواتها ومنها: ليس، لا يجوز حذفه لا اختصارا، ولا اقتصارا، ثم ذكروا أنه قد حذف خبر ليس في الشعر في قوله: يرجو جوارك حين ليس مجير على طريق الضرورة أو الندور، وما كان هكذا فلا يحمل القرآن عليه الثالثة: قوله بل: في الحج، هو خبر الكل إذ هو في موضع رفع على الوجهين، يعني بالوجهين: كونها بمعنى: ليس، وكونها مبنية مع: لا، وهذا لا يصح، لأنها إذا كانت بمعنى ليس احتاجت إلى خبر منصوب، وإذا كانت مبنية مع لا احتاجت إلى أن يرتفع الخبر إما لكونها هي العاملة فيه الرفع على مذهب الأخفش، وإما لكونها مع معمولها في موضع رفع على الابتداء فيقتضي أن يكون خبرا للمبتدإ على مذهب سيبويه، على ما قدمناه من الخلاف، وإذا تقرر هذا امتنع أن يكون: في الحج، في موضع رفع على ما ذكر ابن عطية من الوجهين.
الرابعة: قوله: لأن: لا، إنما تعمل على بابها فيما تليها، وخبرها مرفوع باق على حاله من خبر الابتداء، هذا تعليل لكون: في الحج، خبرا للكل، إذ هي في موضع رفع في الوجهين على ما ذهب إليه، وقد بينا أن ذلك لا يجوز، لأنها إذا كانت بمعنى: ليس، كان خبرها في موضع نصب، ولا يناسب هذا التعليل إلّا كونها تعمل عمل إن فقط، على مذهب سيبويه لا على مذهب الأخفش، لأنه على مذهب الأخفش يكون: في الحج، في موضع رفع بلا، و: لا، هي العاملة الرفع، فاختلف المعرب على مذهبه، لأن قراءة الرفع هي على الابتداء، وقراءة الفتح في: ولا جدال، هي على عمل: لا، عمل إن.
الخامسة: قوله: وظنّ أبو علي أنها بمنزلة: ليس، في نصب الخبر وليس كذلك، هذا الظنّ صحيح، وهو كما ظنّ، ويدل عليه أن العرب حين صرحت بالخبر على أن: لا، بمعنى ليس أتت به منصوبا في شعرها، فدل على أن ما ظنه أبو علي من نصب الخبر صحيح، لكنه من الندور بحيث لا تبنى عليه القواعد كما ذكرنا، فأجازه أبو علي، مثل هذا في القرآن لا ينبغي.
السادسة: قوله: بل هي والاسم في موضع الابتداء يطلبان الخبر، و: في الحج، هو الخبر، هذا الذي ذكره توكيد لما تقرر قبل من أنها إذا كانت بمعنى: ليس، إنما تعمل في الاسم الرفع فقط، وهي والاسم في موضع رفع بالابتداء، وأن الخبر يكون مرفوعا لذلك المبتدأ، وقد بينا أن ذلك ليس بصحيح لنصب العرب الخبر إذا كانت بمعنى: ليس، وعلى تقدير ما قاله لا يمكننا العلم بأنها تعمل عمل ليس في الاسم فقط إذا كان الخبر مرفوعا، لأنه ليس لنا إلّا صورة: لا رجل قائم، ولا امرأة. فرجل هنا مبتدأ، وقائم خبر عنه، وهي غير عاملة، وإنما يمتاز كونها بمعنى ليس، وارتفاع الاسم بها من كونه مبتدأ بنصب الخبر إذا كانت بمعنى ليس، ورفع الخبر إذا كان ما بعدها مرفوعا بالابتداء، وإلّا فلا يمكن العلم بذلك أصلا لرجحان أن يكون ذلك الاسم مبتدأ، والمرفوع بعده خبره.
وقال الزمخشري: وقرأ أبو عمرو، وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج؛ وذلك أن قريشا كانت تخالف سائر العرب، فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة، وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة، وهو النسيء، فرد إلى وقت واحد، ورد الوقوف إلى عرفة، فأخبر اللّه تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج.
واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال،
بقوله عليه السلام: «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه»
، وأنه لم يذكر الجدال. انتهى كلامه. وفيه تعقبات.
الأول: تأويله على أبي عمرو، وابن كثير أنهما حملا الأولين على معنى النهي بسبب الرفع والثالث على الإخبار بسبب البناء، والرفع والبناء لا يقتضيان شيئا من ذلك، بل لا فرق بين الرفع والبناء في أن ما كانا فيه كان مبنيا، وأما أن الرفع يقتضي النهي، والبناء يقتضي الخبر فلا، ثم قراءة الثلاثة بالرفع وقراءتها كلها بالبناء يدل على ذلك، غاية ما فرق بينهما أن قراءة البناء نص على العموم، وقراءة الرفع مرجحة له، فقراءتهما الأوّلين بالرفع والثالث بالبناء على الفتح إنما ذلك سنة متبعة إذا لم يتأد ذلك إليهما إلّا على هذا الوجه من الوجوه الجائزة في العربية في مثل هذا التركيب. --البحر المحيط فى التفسير، ج۲، ص۲۸۳--